تعطيهم قلبك.. فيبيعونه بثمن سمكة
بقلم/ ناصرمضحي الحربي
في الحياة، نمرّ بتجارب تجعلنا نعيد حساباتنا في العطاء. فالعطاء في ذاته قيمة إنسانية راقية، لكنه حين يقع في غير موضعه، يتحول من فضيلة إلى عبء، ومن إحسان إلى جرح.
كم من مرة أخرجنا من أعماقنا ما هو أثمن من المال، ما هو أغلى من الجهد، أعطينا وقتنا، صحتنا، مشاعرنا، وحتى جزءاً من أحلامنا، لشخص ظننا أنه سيحملها في قلبه كما يحمل الطفل لعبته المفضلة، فإذا بنا نفاجأ بها ملقاة في فم قطة، لا تعرف قيمتها، ولا تحفظ جميلها.
المؤلم ليس الخذلان نفسه، بل أن يأتيك من أقرب الناس إلى قلبك، من أولئك الذين فتحت لهم الأبواب بلا شروط، ومنحتهم الثقة بلا قيود، فإذا بهم يستبدلون وفاءك بجحود، ويقابلون إحسانك بنكران.
هنا تدرك أن العطاء بلا وعي قد يكون سذاجة، وأن قلبك الذي تفتحه للجميع بلا تمييز، يصبح هدفاً سهلاً لمن لا يرى فيك سوى محطة عابرة لمصالحه.
ليس معنى ذلك أن نتوقف عن العطاء، أو أن نغلق أبواب قلوبنا، لكن الحكمة أن نعرف أين نضع أثمن ما نملك، وأن ندرك أن ليس كل من ابتسم لنا هو أهل لأن نحمل له قطعة من كبدنا.
فالحياة علمتنا أن بعض القلوب أوعية ذهب، تحفظ ما يوضع فيها وتزيده جمالاً، وبعضها أوعية صدئة، تُفسد حتى الماء العذب إن وُضع فيها.
لذلك… حين تعطي، فليكن عطاءك موزوناً بميزان العقل قبل العاطفة، ولتكن يدك كريمة لكن بصيرة، فليس كل جائع يستحق أن تطعمه من كبدك، وليس كل مبتسم يستحق أن تمنحه مفاتيح قلبك